Thursday, December 5, 2019

الأخصائية النفسية أمل الحامد ترى أن تحسين العلاقة الزوجية يبدأ بأبسط

مرَّ كمال بحالة ملل وكآبة بسبب عدم رغبة زوجته فيه، فانغلق على نفسه وانزوى في غرفته مع أصدقائه الافتراضيين الذين وصل عددهم إلى المئات في موقع فيسبوك.
ومع مرور الوقت، ازداد عدد معجباته اللواتي بدأن يثنين على أفكاره تارة وعلى عزفه المباشر على آلته الموسيقية في صفحة فيسبوك تارة أخرى، فعادت إليه ثقته بنفسه ثانيةً. وأعادت تلك التعليقات والمديح له ثقته بنفسه من جديد حسب قوله.
كان كمال يسعد بالإطراء والمديح والرسائل الغرامية الخاصة وطلب بعض معجباته اللقاء به، وتحول بعضها إلى "لقاءات غرامية ولاحقاً جنسية".
"لم أستطع مقاومة الإغراءات من قبل شابات مثيرات في وقت كنت أشعر أنني ميت عاطفياً ولا روح في علاقتنا الزوجية".
ويعتقد كمال أنه ليس الوحيد الذي يعيش مثل هذا الوضع ويقول: "أعلم أن الناس يطلقون تسميات سلبية على رجل مثلي، ويلقون باللوم علي، لكنن
وترى الأخصائية النفسية أمل الحامد، أنه إذا أدرك الزوجان الأسباب وامتلكا إرادة الحل، سيكون تجاوز المشكلة أمراً في غاية السهولة، لكن إذا همّش أحد الطرفين الطرف الآخر وخدش مشاعره وغابت لغة الحوار والصراحة بينهما، ستتفاقم المشكلة وتصبح أكثر تعقيداً، وفي النهاية يواجه الطرفان طلاقاً عاطفياً ونفسياً، وهو أصعب من الطلاق العلني.
وفي كثير من الأحيان يبذل أحد الطرفين جهده من أجل تغيير الوضع والروتين والرتابة في حياتهما بينما يتمسك الطرف الآخر بذلك الروتين، فيستسلم الآخر بدوره لذلك بعد أن تفشل محاولاته حسب قول الحامد.
ولكي يتجاوز الزوجان مشاكلهما، ويعيدا الحياة إلى علاقتهما العاطفية والجنسية، يجب عدم تأجيل المشاكل وتركها تتراكم، بل طرحها للنقاش مع انتقاء الألفاظ التي لا تثير غضب واستياء الطرف الآخر لئلا يتحول الأمر إلى حقد وكراهية .
فعلى سبيل المثال، إذا لم يقدم الزوج هدية لزوجته، فلتبادر هي إلى ذلك وتكرار الأمر لتلفت انتباهه إلى ما قد غاب عن ذهنه. ومع مرور الوقت والتكرار، ستنتقل عدوى المبادرة الإيجابية إلى الطرف الآخر أيضاً.
ي لست الوحيد الذي يعيش وضعاً كهذا، هناك العشرات أمثالي في الدائرة المقربة مني".
ولدى كمال حياتين: الظاهرية لإرضاء المجتمع والأسرة و تمثيل دور الأب والزوج المثالي، والخاصة التي يقضيها مع حبيبته سراً في أيام العطل الأسبوعية.
ويرى الباحث الاجتماعي حميد الهاشمي، أن أمثال كمال كثيرون، ولكن بدلاً من تقديم تبريرات لأخطائه وضعفه أمام نزواته كان من الأفضل له أن يناقش تلك التفاصيل الدقيقة مع
وتشرح موقفها بقولها: "لو كان زوجي هو من أصيب بالسرطان، لدعمته حتى آخر يوم في حياتي، فالزواج وعد بالبقاء سوية في السراء والضراء وليس في السراء فقط، على الرجال أن يتعلموا التضحية والتخلي عن أنانيتهم".
لكن ميترا تناقض نفسها بعد برهة وتقول: "أعلم أنني لا أستطيع تلبية حاجاته الطبيعية، وأشعر بالذنب أحياناً، لكنني في نفس الوقت، لا أتقبل فكرة تخليه عني، وأنا كأي أنثى لا أقبل أن أكون غير مرغوبة بها".
أما زوجها رستم، أصبحت الكتب كل عالمه تقريباً، وبالكاد يساهم بأي نشاط خارج عمله، ويبقى طوال الوقت هادئاً وصامتاً حسب وصف الزوجة، وتصفه ابنته المراهقة بأنه "أبٌ مملٌ".
ويجمع الأخصائيون النفسيون والاجتماعيون على ضرورة تفكير الأزواج الذين يمرون بمثل هذه الأوضاع، في زيارة أخصائيين نفسيين لإنقاذ حياتهم الزوجية قبل فوات الأوان.
إلا أن ثقافة استشارة أخصائيين نفسيين واجتماعيين في المجتمعات العربية والإسلامية لا تزال غير شائعة. ويعلق الباحث الاجتماعي حميد الهاشمي على حالة رستم بالقول: "إنه ليس على ما يرام، ومعرض للاكتئاب الحاد بشكل كبير ونتائجه غير محمودة".
زوجته، ويصارحها بما يجول في خاطره وما قد ينتج عن ذلك في المستقبل فيما لو استمرت هي بمعاملته بتلك الطريقة، للوصول إلى حل يرضي الطرفين وينقذهما من ارتكاب الأخطاء بحق بعضهما أو الوقوع في حالة العزلة كما فعل كمال.
أما ميترا وزوجها رستم، فهما زوجان إيرانيان في منتصف الأربعينات من أعمارهما. انتقلا للعيش في مدينة برمنغهام بريطانيا مع ابنتيهما المراهقتين منذ عام 2005.
وقالت سمر (29 عاماً) التي نزحت من سوريا إلى تركيا منذ عام 2015، وتزوجت من رجل تركي "إن السبب الذي دفعها إلى الزواج في تركيا هو صعوبة حياة اللاجئين هناك وخاصة المرأة بسبب تعرضها للمضايقات باستمرار".
فاختارت الزواج "من أجل حياة كريمة تصون كرامتها"، لكنها تفاجأت لاحقاً بالفوارق الاجتماعية بينهما وبأسلوب حياة مختلفة تماماً عما اعتادت عليه.
وتقول إن حياتها "محصورة بتربية الأطفال، والتنظيف وتلبية طلبات الزوج "الذي لا يأبه برغبتها، بل بما يريده حتى ولو كان ذلك عنوة، وإن السبب الوحيد الذي يجعلها تستمر مع زوجها "المنغلق اجتماعياً ويمنع عنها أبسط الأمور مثل زيارة الجارات إلا بإذنه" هو أنه المصدر المالي الوحيد للمال الذي تحتاجه لإعالة طفليها.
وتضيف: "لو كنت أملك خيارات أخرى، لما بقيت معه يوماً إضافياً، لأنني لم أعتد على هكذا معاملة من أسرتي، لا قيمة لرأيي وكرامتي ولا حتى لعواطفي هنا، إنه الجنس عند الطلب فقط".
أما روج من أربيل، فتقول إن والدها (60 عاماً) لا يعاشر والدتها (47 عاماً) منذ عقود، وإن والدتها ورغم معرفتها بزواج والدها السري، لا تبوح بذلك لأحد "صوناً لكرامتها وكبريائها" لأن ذلك سيشعرها بالمهانة لو "بدأ المجتمع بالثرثرة عن سبب ترك زوجها لها".
وتضيف الابنة: "والدي ثري جداً، وهذا الثراء هو الذي جعل شابة ثلاثينية تتزوجه، وأمي امرأة قوية ومستقلة مادياً، لكنها فضلت عدم البوح بزواج والدي وعدم طلب الطلاق حفاظاً على سمعتنا من جهة وعلى كبريائها من جهة أخرى".
أصيبت ميترا بسرطان الثدي ثم الرحم منذ 10 سنوات، وتم استئصال ثدييها والمبايض والرحم، الأمر الذي حوّل شخصيتها من امرأة نشيطة فعّالة ومقبلة على الحياة إلى أخرى قلقة ومنعزلة وعديمة الرغبة بالحياة حسب وصفها.
وتشير ميترا إلى فقدانها للرغبة الجنسية منذ إجراء عمليات الاستئصال، وتراجع رغبتها في معاشرة الآخرين وبزوجها، وتقول: " نافذتي الوحيدة على الحياة هي وجود ابنتَي في حياتي".
وعلى صعيد علاقتها بزوجها تقول: "هذا الوضع لا يبرر لزوجي البحث عن امرأة أخرى، إلا أنه فعلها وكشفتُ أمره، فخيرته بينها وبيني، فاختارني لأنه أدرك أنه سيخسر ابنتيه أيضاً".
ويضيف: "الزوجة مخطئة أيضاً لإهمالها الجانب العاطفي والجنسي في علاقتهما الزوجية، لأنها بذلك تطلب منه كبت حاجة إنسانية طبيعية خارجة عن قدراته، وهي ضرورية لاستمرار الحب بين الزوجين".
أما الأخصائية النفسية أمل الحامد، فتشير إلى ضرورة التخلص من مقولة "بذلت ما في وسعي" لأن ذلك يوقع الطرفين في الشعور باليأس وبإحساس كل طرف أنه الضحية وأن الطرف الآخر هو المسؤول".
وتضيف: "على الطرفين التفكير بالجوانب الإيجابية وتذكّر الأوقات الجميلة والصعبة التي عاشاها معاً، والمبادرة إلى نقل السلوك الإيجابي عن طريق المعايشة، فعلى سبيل المثال، يمكن للزوج أن يبادر إلى الاهتمام بالزوجة ومغازلتها وتقدير جهودها لنقل عدوى المعاملة الحسنة إليها، وعلى الزوجة القيام بمبادرات للفت انتباه زوجها أيضاً".

Tuesday, November 12, 2019

من هي الحسناء التي سجنتها مصر وحضرت رئيسة وزراء إسرائيل زفافها؟

توفيت مؤخراً مارسيل نينو في رامات غان قرب تل أبيب بإسرائيل عن عمر يناهز 89 عاما.
وسجنت نينو في مصر لدورها في عمليات تجسس لصالح إسرائيل عام 1954 وزرع قنابل في مصالح أمريكية وبريطانية في مصر في محاولة لإقناع بريطانيا لإبقاء قواتها المتمركزة في قناة السويس.

فمن هي مارسيل نينو؟

ولدت فيكتورين مارسيل نينو في 5 نوفمبر/ تشرين ثاني عام 1929 لعائلة يهودية في القاهرة، وكان والدها ياكوف قد هرب من بلغاريا قبل الحرب العالمية الأولى، ووالدتها فاني من تركيا.
توفي والدها وهي في العاشرة من العمر، والتحقت ف
وفشلت محاولة لتفجير دار سينما في الاسكندرية حيث اشتعلت المادة المتفجرة في جيب العميل المكلف بالمهمة فتم إلقاء القبض عليه وعلى آخرين مما أقلق نينو.
وهربت نينو(اسمها الشفري كلود) من القاهرة في أوائل أغسطس/ آب 1954 إلى مدينة رأس البر في حافلة.
وبينما كانت تتناول طعام الغذاء في الفندق سمعت استدعاء في مكبر صوت لتلقي مكالمة هاتفية، ولدى توجهها لتلقي المكالمة تم اعتقالها ونقلها للقاهرة حيث تعرضت لاستجواب قاس، بحسب ما ذكرته لاحقا عن تلك الفترة.
وبدأت المحاكمة في أواخر عام 1954 في القاهرة، وانتهت في أوائل عام 1955 حيث أدين المتهمون، وحكم على أثنين منهم بالإعدام، بينما كان الحكم على نينو بـ 15 عاما في السجن وتم إرسالها لسجن النساء.

فضيحة لافون

عقب تفجر القضية قال رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت موشيه شاريت إنه لم يكن على علم بالأمر، وعقب المحاكمة استقال وزير الدفاع بنحاس لافون زاعما أنه لم يكن يعلم أيضا بالعملية غير أن الكولونيل بنيامين غيبلي مدير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية حينئذ أكد أنه كان يتلقى أوامره من لافون.
وطفت فضيحة سوزانا مجددا على السطح أواخر عام
وأطلق على فضيحة سوزانا في إسرائيل اسم "فضيحة لافون" و"العمليات القذرة".

إفراج وزواج

في عام 1968 تم إطلاق سراح نينو وعدد من العملاء الإسرائيليين مقابل عدد من الأسرى المصريين في حرب عام 1967.
وبعد ذلك بثلاث سنوات عندما تزوجت إيلي بوغر وكان من بين ضيوف حفل الزفاف رئيسة الوزراء الإسرائيلية حينها غولدا مائير.
وكتبت مائير عنها تقول: "كان لدى نينو جهاز راديو ترانزيستور غير قانوني كانت تستمع عبره للأخبار، وقبل نومها تنصت للإذاعة الإسرائيلية لتستمع للنشيد الوطني الإسرائيلي هاتكفاه".
1960 واستمرت في العام التالي عندما استقال رئيس الوزراء في ذلك الوقت ديفيد بن غوريون (لفترة وجيزة) لخلافه مع تقرير للجنة وزارية برأت لافون من الاتهامات بإصدار أوامر التفجيرات.
ي طفولتها بالعديد من المدارس كانت إحداها يهودية
وبعد عودتها لإسرائيل تعلمت نينو العبرية، وتخرجت من جامعة تل أبيب حيث درست الأدب الإنجليزي.
وفي عام 2005 تم منحها واثنين من زملائها في الوحدة 131 هما روبرت داسا ومائير زافران رتبا عسكرية في الجيش الإسرائيلي تقديراً للخدمات التي قدموها لإسرائيل.
وقال رئيس الأركان الإسرائيلي حينئذ الجنرال موشي يعلون في مراسم منحهم الرتب: "هذه عدالة تاريخية لأولئك الذين أرسلوا في مهمة نيابة عن الدولة ليصبحوا ضحايا لفضيحة سياسية معقدة".
وأخرى إدارتها من الراهبات الكاثوليك، وصارت تتحدث الإنجليزية والفرنسية بطلاقة، وتلعب كرة السلة، والتحقت بالشبيبة الصهيونية.
وعملت سكرتيرة في القاهرة حيث تم تجنيدها من قبل الاستخبارات الإسرائيلية عام 1951 لتنضم للوحدة 131 فكانت المرأة الوحيدة في هذا الوحدة التي ضمت عشرات اليهود المصريين.
وكان أحد أصدقائها قد قدمها إلى رجل قام بدروه بربطها بعميل الموساد أبراهام دار واسمه الشفري جون دارلينغ.
وكانت القصة التي تستخدمها كغطاء أنها سكرتيرة لدار، ولكنها كانت في الواقع ضابط الاتصال بين عناصر الوحدة في القاهرة والاسكندرية.

العملية سوزانا

وبعد تولي الجيش السلطة في مصر بعامين، وتحديدا عام 1954 شعرت إسرائيل بالقلق من احتمال إقدام السلطة الجديدة على تأميم قناة السويس، وإغلاق هذا الطريق التجاري الحيوي، فكانت مهمة الوحدة 131 هي تفجير القنابل في مهمة لإقناع قادة أمريكا وبريطانيا بأن السلطة الجديدة في مصر لن تحمي مصالحهم ورعاياهم.
وأطلق على هذه العملية أسم سوزانا ولكنها لم تسفر عن تغيير في السياسة الغربية تجاه مصر.
في يوليو/تموز عام 1954 زرعت الوحدة قنابل في مكتب بريد في الاسكندرية، والمكتب الثقافي الأمريكي في كل من القاهرة والإسكندرية.

Monday, October 21, 2019

كيف كشف نهر النيل بعض أسرار المصريين القدماء؟

"فليحيا الإله الكامل، الذي في الأمواه، إنه غذاء مصر وطعامها ومؤونتها، إنه يسمح لكل امريء أن يحيا، الوفرة على طريقه، والغذاء على أصابعه، وعندما يعود يفرح البشر، كل البشر"، ترنيمة دوّنها المصري القديم في نصوصه الأدبية تبرز قدر عرفانه لنهر النيل، جاعلا منه الإله الخالق لمصر، واهب الحياة والخُلد لها منذ القدم.
أدرك المصريون أهمية النيل منذ عصور موغلة في القدم، فاجتهدوا في ابتكار طرق تهدف إلى الاستفادة من مياه النهر وتنظيم الري وحفر الترع لزراعة أكبر مساحة ممكنة من أرض الوادي، ولم يبالغ العالم الفرنسي جاك فاندييه في دراسته "المجاعة في مصر القديمة" عندما أشار إلى أن "النيل هو الأساس الذي اعتمدت عليه الحياة المادية والاجتماعية في مصر".

البداية

توافرت مقومات الحياة البشرية في منطقة شمال أفريقيا خلال العصر الحجري القديم، نظرا لنمو الأعشاب والأشجار واستيطان قطعان الغزلان والأبقار والأغنام، فاعتمد الإنسان على صيدها باستخدام آلات بدائية عُثر على كثير منها في صحراء مصر الشرقية والغربية.
بيد أن التغيرات المناخية دفعت السكان نحو الأنهار، نتيجة الجفاف وندرة الأمطار، فظهر نمط جديد من المجتمعات في مصر، وهو شكل من أشكال الحياة البدائية التي ربما تعود جذورها وأقدم مفاهيمها وآلهتها إلى مستهل العصر الحجري الحديث منذ حوالي عام 5800 قبل الميلاد، لاسيما في مناطق الفيوم ومرمدة والعُمَري في مصر الوسطى والشمالية، والهمامية والبداري وتاسا في الوجه القبلي جنوبا.
أطلق المصريون القدماء على نهر النيل في اللغة المصرية القديمة "إيترو عا" بمعنى (النهر العظيم)، وتشير الأصول اللغوية لكلمة النيل إلى أنها من أصل يوناني، "نيلوس"، بيد أن آخرين تحدثوا عن أصول فينيقية للكلمة اشتقت من الكلمة السامية "نهل" بمعنى (مجرى أو نهر).
وذهب المؤرخ اليوناني ديودور الصقلي إلى أبعد من ذلك حين أشار إلى إن النيل أُطلق عليه هذا الاسم تخليدا لذكرى ملك يدعى "نيلوس" اعتلى عرش البلاد وحفر الترع والقنوات فأطلق المصريون اسمه على نهرهم، وتُستخدم "نيلوس" كاسم علم مذكر بحسب عقد بيع مدوّن على بردية يعود إلى العصر الروماني، يحتفظ به المتحف المصري، بين رجل يدعى "نيلوس" وآخر يدعى "إسيدوروس".
ويرى العالم المصري رمضان عبده، في دراسته الموسوعية "حضارة مصر القديمة"، ضمن إصدارات وزارة الآثار المصرية، أن كلمة النيل مشتقة من أصل مصري صميم من العبارة "نا إيترو" والتي تعني (النهر ذو الفروع)، كما أطلق المصريون على مجرى النهر اسم "حبت إنت إيترو" (مجرى النهر)، وأطلقوا على فروع النيل في أرض مصر "إيترو نوكيمت" (فروع الأرض السوداء).
تشير الوثائق التاريخية إلى حدوث اتصال ما بين المصريين القدماء ومناطق تقع في جنوب مصر، بلاد "كوش" و"يام" و"بونت"، الأمر الذي يرجح بعض دراية للمصريين بإقليم بحر الغزال، أحد روافد النيل في جنوب السودان، منذ عصور الدولة القديمة، ونتيجة حرص المصريين على التوغل في النوبة والسودان، ظهر رحّالة ومستكشفون في الأسرة السادسة معظمهم من أمراء أسوان جنوبي مصر.
نظم حاكم الجنوب ويدعى "حرخوف" أربع حملات استكشافية إلى أفريقيا بناء على أوامر من الملكين "مر-إن-رع" و"بيبي الثاني" حوالي 2200 قبل الميلاد، وحرص "حرخوف" على تسجيل وقائع رحلاته في مقبرته في أسوان، كما في هذا المقتطف من نص كامل نقلته إلى الفرنسية عن اللغة المصرية القديمة العالمة كلير لالويت في دراستها "الفراعنة في مملكة مصر زمن الملوك الآلهة":
"أرسلني سيدي صاحب الجلالة مر-إن-رع، في صحبة والدي، الصديق الأوحد، والكاهن المرتل إيري إلى بلاد يام لاستكشاف دروبها، أنجزت هذه المهمة في غضون سبعة أشهر، وجلبت منها شتى أشكال (الهدايا) الجميلة منها والنادرة ونلت من أجل ذلك المديح كل المديح".
لاحظ المصريون فيضان النيل وانحساره في أوقات مناسبة على نحو يمكن استفادة أرض مصر منها، إذ يفيض في الصيف والأرض في أشد الحاجة إلى الماء، يغمرها ويجدد حياتها، وينحسر في وقت يناسب الزراعة، فتُبذر الحبوب، فكانت بداية اهتداء المصريين لفكرة التقويم.
وضع المصريون ما يعرف اصطلاحا بـ"التقويم النيلي"، الذي يبدأ ببداية الفيضان، عندما تصل المياه إلى منطقة استراتيجية مهمة، ويعتقد العلماء أنها كانت منطقة تتوسط مدينتي "أونو" و"إنب حج"، كما لاحظ المصريون اقتران الحدث بظاهرة سماوية هي ظهور نجم الشعرى اليمانية.
ويقول العالم الفرنسي نيقولا غريمال في دراسته "تاريخ مصر القديم": "كانت نقطة الانطلاق لتحديد بداية العام الجديد هي قياس ارتفاع منسوب مياه الفيضان، وما يُسجل عند مستوى مدينة منف، وهي الأرض التي شهدت توحيد البلاد على ما يفترض، ويتفق تماما مع ظهور نجم الشعرى اليمانية، وفقا للتقويم اليولياني، وتحدث هذه الظاهرة في 19 من شهر يوليو/تموز".
أحصى الفلكيون المصريون عدد الأيام بين كل ظهور للنجم فوجدوها 365 يوما، وقسموها إلى 12 شهرا، كما قسموا السنة إلى ثلاثة فصول تحددت بناء على أحوال النيل: "آخت" وهو فصل الفيضان وبذر البذور، من منتصف يوليو/تموز إلى منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، و"برت" وهو فصل النمو، ويوازي فصل الشتاء، ويبدأ من منتصف نوفمبر/تشرين الثاني إلى منتصف مارس/آذار، و"شمو" فصل حصاد الزرع، من منتصف مارس/آذار إلى منتصف يوليو/تموز.
ويقول الفرنسي فاندييه إن الماء في الفكر الديني المصري القديم "يمثل عنصرا أساسيا منه تخرج الحياة الجديدة، وإلى المحيط الأزلي تؤول الشمس وقت الشفق، لتبث فيه قوة نشطة جديدة".
خصص المصريون القدماء عددا من الأرباب ارتبطوا بنهر النيل أشهرهم الإله "حعبي"، الذي يمثل فيضان النيل سنويا، ومصدر الحياة الأولى عموما (بداية الخلق) ومصدر الحياة الأولى للمصري القديم.
ساعد النيل المصريين في تكوين مجتمعات صغيرة، يتعاون أفرادها في زراعة ما بها من أراض، وأحيانا كانوا يلجأون إلى توسيع حدودها بالاستيلاء على أراض المجتمعات المجاورة، إلى أن اندمجت هذه المجتمعات وشكلت كيانا أكبر اتحد في عهد الملك "نعرمر (مينا) " فظهر أول شكل مترابط سياسيا واجتماعيا للأراضي المصرية بفضل النيل.
عرف المصريون أيضا، إلى جانب الزراعة التي اعتمدت على مياه النيل، صيد الأسماك، فابتكروا القوارب كوسيلة للصيد والمواصلات، وسجّلوا العديد من المشاهد المائية على جدران المقابر، التي كانت توضع بداخلها أسماك النيل لتقديمها قرابين من المتوفى في العالم الآخر.

Monday, September 23, 2019

ما تصوراتكم عن التواصل في المستقبل وهل سيكون التخاطر أداة الاتصال بين الناس؟

سيتواصل الناس في المستقبل باستخدام أجهزة مزروعة في أجسادهم وكاميرات تعطي صورا مجسمة (هولوغرام)، بحسب ما توقعه مشاركون في استطلاع رأي جديد.
وقد أجرت هيئة YouGov الاستطلاع لحساب مؤسسة برناردوس الخيرية المعنية بالأطفال، وتوجهت بالأسئلة لأطفال وبالغين في أنحاء بريطانيا بشأن توقعاتهم لسبل تواصل الناس مع بعضهم في الـ 30 عاما المقبلة.
قال 13 في المئة فقط من الذين تراوحت أعمارهم بين 8 و18 عاما إن صغار السن سيتواصلون بالرسائل والبطاقات البريدية بحلول عام 2049.
وأشار نحو نحو ثلث المشاركين إلى أن أجهزة تصوير مجسم ( تعطي صورا ثلاثية الأبعاد) وأجهزة أخرى تزرع في المخ والجسم سيتم استخدامها لهذا الغرض، بينما قال ربع المشاركين إن البشر سيستخدمون لغة جديدة مثل تلك التي تعتمد على الصور "الإيموجيس" في وسائل التواصل الاجتماعي.
ووفقا للاستطلاع فإن أكثر وسائل التواصل شعبية ستكون التكنولوجيا التي يمكن ارتداؤها مثل الساعات الذكية ونظارات الواقع المدمج.
وقال أكثر من نصف من استطلعت آراؤهم من صغار السن إنهم سيقضون المزيد من الوقت على الانترنت ولن يتحدثوا بشكل كاف بشكل مباشر وجها لوجه في المستقبل.
وجاء هذا الاستطلاع بمناسبة مرور ثلاثين عاما على إطلاق شبكة الإنترنت.
ويقول الدكتور إيان بيرسون المتخصص في علم المستقبل Futurology، أي التنبؤ بما سيكون عليه الوضع في المستقبل بناء على معطيات علمية: "بحلول عام 2050 سنتواصل عبر نمط من التخاطب عبر تكنولوجيا التعرف على الأفكار (التخاطر)، باستخدام ما يشبه حُلي ومجواهرات إلكترونية يمكنها تتبع أفكاري وربما تتواصل مع سماعة أذن شخص آخر وتنقل أفكاري إليه".
وأضاف قائلا: "ربما تكون لدينا أجهزة إلكترونية متناهية الصغر تحقن داخلك وتبحر إلى عقلك لتنقل منه المعلومات إلى أجهزة إلكترونية خارجية، وبذلك يتم التواصل من خلال التخاطر ما يؤدي إلى زيادة معرفتنا" بشكل كبير.
والتخاطر يعني فكرة انتقال الأفكار من عقل شخص إلى آخر من دون استخدام أي وسائل حسية أو مادية مباشرة. اي أن الافكار تنتقل من دون استخدام الحديث أو القراءة أو الإشارات.
وإذ تبدو بعض هذه التنبؤات لطيفة، ثمة بعض ما يثير الانزعاج بشأن قبول الناس بها.
وتطالب مؤسسة برناردوس ببذل المزيد من الجهد لضمان بقاء الأطفال، على نحو خاص، آمنين بقدر الإمكان لدى استخدامهم التكنولوجيا المستقبلية أو لدى تفاعهلم مع الآخرين.
وقال جاويد خان الرئيس التنفيذي لبرناردوس: "خلال الـ 30 عاما الماضية ، تغيرت وسائل تواصل الأطفال والبالغين بشكل لا يصدق، لذلك فلن تكون مفاجأة أن نكون بصدد السير في الـ 30 سنة المقبلة صوب نوع من الخيال العلمي، فقد غيرت شبكة الإنترنت والتكنولوجيا الجديدة طرق تعلم ولعب وتواصل الصغار، ولكنها خلقت أيضا أخطارا جديدة على أمنهم ورفاهيتهم".
وتابع قائلا: "إن قوانيننا وأنظمتنا لابد وأن تساير التغير التكنولوجي حتى نستطيع حماية أطفالنا بشكل فعال، سواء على الإنترنت أو في الحياة عموما".
تناولت الصحف البريطانية الصادرة الاثنين عددا من القضايا العربية والشرق أوسطية من بينها تداعيات الهجوم على منشآت نفطية في السعودية، ومظاهرات معارضة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ودعم أعضاء عرب في الكنيست زعيم تحالف "أزرق أبيض" في محاولة لإبعاد نتنياهو عن السلطة.
البداية من صفحة الرأي في صحيفة الغارديان، ومقال لنسرين مالك بعنوان "السعودية لن تحارب ولكنها قد تستأجر حلفاء".
وتقول الكاتبة إنه توجد مزحة متداولة في الشرق الأوسط مفادها أن "السعودية ستقاتل حتى آخر باكستاني"، وتشير المزحة إلى الدعم الدائم من جانب باكستان للسعودية في مشاريعها العسكرية.
وتضيف إلى أنه يمكن أن تمتد المزحة لتشمل أيضا السودان، الذي يشارك بقوات برية في المساعي العسكرية السعودية. وتقول الكاتبة إن "السعودية معتادة على شراء العمالة التي تعدها دون قيمة مواطنيها، وتمد تلك السياسة في التعامل إلى جيشها".
وأشارت إلى أنه "توجد دائما دول أفقر مستعدة لإرسال أبنائها ليكونوا وقودا للمدافع بالسعر المناسب"، وتقول الكاتبة إن "الحرب العسكرية على اليمن يشار إليها باسم التحالف العربي، وهو تعبير مهذب لمقاتلين بزعامة السعودية تضم، من بينهم حلفاء السعودية الخليجيين، مصر والأردن والمغرب إضافة إلى مقاتلين أطفال من السودان الذين تتلقى أسرهم تعويضات مجزية حال مقتلهم".
وتقول الكاتبة إنه "من المحير، في ضوء الهجمات على منشآت نفطية في السعودية الأسبوع الماضي، أن توجد تكهنات عما إذا كانت السعودية وإيران ستخوضان حربا".
وتضيف أن "السعودية لا تخوض حربا، بل تستأجر أطرافا تحارب بالوكالة، وتعتمد على تصديق الولايات المتحدة لاستمرار كذبة أن المملكة تحفظ السلام في المنطقة وأن أي تهديد لأمنها قد يهز استقرار المنطقة".
وتتساءل الكاتبة "لم تحتاج السعودية، التي يقول معهد السلام الدولي في ستوكهولم إنها أكبر مستورد للسلاح في العالم في الفترة من 2014 إلى 2018، إلى كل هذه الحماية وكل تلك المساعدة العسكرية".
وتقول إن شراء هذه الأسلحة تضمن الحفاظ على العلاقات التجارية بين السعودية وحلفائها في الغرب، الذين تشتري منهم السلاح في مقابل أن يغضوا الطرف عن سجلها لحقوق الإنسان، والاغتيالات وعمليات الخطف".
وترى الكاتبة أن "السياسة الخارجية للسعودية كاملة تعتمد على استخدام الثروة لشراء الأصدقاء والسكوت".
وننتقل إلى الفاينانشال تايمز وتقرير لهبة صالح من القاهرة بعنوان "احتجاجات ضد السيسي تشعلها مزاعم بالفساد".
وتقول الكاتبة إن وسط القاهرة شهد وجودا مكثفا للشرطة أمس إثر مظاهرات في ميدان التحرير وفي مدن مختلفة في البلاد.
وتقول الكاتبة إن مظاهرات الجمعة، على الرغم من قلتها العددية، إلا أنها تمثل تحديا نادرا ضد نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، "الذي يحكم البلاد بقبضة من حديد عام 2014".
وتقول الكاتبة إن التظاهر محظور في مصر منذ عام 2013 بعد أن أطاح السيسي، الذي كان آنذاك وزيرا للدفاع، بالرئيس محمد مرسي في "انقلاب مدعم شعبيا".
وتضيف أنه منذ انتخابه رئيسا عام 2014، شن نظام السيسي حملة على المعارضة، اعتقل فيها الآلاف. وقالت إن وسائل الإعلام الرسمية تشير إلى أن جماعة الإخوان المسلمين المحظورة كانت وراء المظاهرات، واتهمتها بالإخلال بأمن البلاد.
وتقول الكاتبة إن الإصلاحات الاقتصادية، التي تطبقها حكومة السيسي وفقا لبنود قرض من صندوق النقد الدولي، منحت السيسي الكثير من الثناء الدولي ولكن ارتفاع معدلات التضخم المصحوبة بإجراءات تقشف أثرت بصورة كبيرة على الفقراء والطبقة المتوسطة.
وتقول الكاتبة إن احصائيات حكومية حديثة تشير إلى أن ثلث المصريين يعيشون تحت خط الفقر، واضيف إلى ذلك العدد 4 ملايين شخص منذ عام 2014 إلى عام 2018.
وفي صحيفة التايمز نطالع مقالا لأنشيل بفيفر من القدس بعنوان "عرب إسرائيل يدعمون غانتس رئيسا للوزراء".
ويقول الكاتب إن بيني غانتس، الجنرال الذي دخل عالم السياسة منذ ثمانية أشهر فقط، في طريقه إلى يوجه له طلب تشكيل حكومة، لينهي فترة تولي بنيامين نتنياهو لرئاسة الوزراء، التي دامت نحو عشرة أعوام.
وبضيف الكاتب أن الأحزاب العربية تخلت عن تقليد تتبعه منذ أمد طويل، وأيدت مساعي غانتس ليصبح رئيسا للوزراء، في محاولة لإبعاد نتنياهو عن السلطة.
ويقول الكاتب إنه منذ عام 1992، عندما أيدت الأحزاب العربية شيمون بيريز، لم تؤيد الأحزاب العربية أي مرشح، مؤكدين رفضهم دعم إي "زعيم صهيوني"، ولكنها قررت دعم غانتس "لإنهاء حقبة بنيامين نتنياهو".

Wednesday, August 28, 2019

استجابة الجسم للضغوط. إذ يعجل الخروج إلى الطبيعة

يشبّه البعض الدماغ بآلة التنبؤ التي تنتج صورا للواقع استنادا إلى الأدلة التي تستنتجها من البيئة المحيطة. ولهذا فإن العجز عن التنبؤ بالمستقل أو توقع حدوث مفاجآت أو الشعور بفقدان القدرة على السيطرة على الأمور تسبب التوتر والضغط النفسي.
وقد رأى البعض أن الضغط النفسي له علاقة بالمركز الاجتماعي، فإذا كنت ترى أن مركزك الاجتماعي على المحك، قد تشعر بالقلق والتوتر. لأنك حينئذ ستشعر أن الأمور خرجت عن سيطرتك، ولهذا يسبب التنافس وعدم المساواة والخوف من آراء الأخرين ضغوطا نفسية.
وقد أشار باحثون إلى أن الشعور بأن مردود العمل لا يعادل المجهود الذي تبذله فيه يسبب الضغط النفسي طويل المدى. ولاحظ باحثون أن هذا الشعور أدى إلى ارتفاع ضغط الدم لدى عاملات نظافة والإصابة بالاحتراق النفسي لدى ضباط شرطة بنيويورك، ومتلازمة التمثيل الغذائي لدى العاملين بجهاز الشرطة بإيطاليا.
وأشار بحث إلى أن معاناة الموظف الذي يشعر أن راتبة لا يعادل المجهود الذي يبذله يؤدي إلى استنزاف المشاعر وتدهور الأداء الذهني. وخلصت دراسة أجريت على الخيالة في أستراليا إلى أن تأثير الشعور بأن الأجر لا يوازي المجهود على القدرة على اتخاذ القرار يعادل تأثير الكحول في الدم بتركيز 0.08 في المئة.
كما تؤثر مظاهر الحياة المدنية على استجابة الجسم للضغوط. إذ يعجل الخروج إلى الطبيعة من تعافي الجسم من الضغوط النفسية. ويؤدي التعرض للضوء الساطع أو الضوء الأزرق ليلا إلى تثبيط إطلاق هرمون الميلاتونين المسؤول عن الحد من القلق والتوتر. وتخفض التمرينات الرياضية الخفيفة من مستويات الكورتيزول في الدم.
وربط باحثون بين استهلاك الأطعمة المعالجة وبين أعراض الاكتئاب. وقد تعدل العادات الغذائية من تركيب التجمعات الميكروبية في القناة الهضمية، وقد أثبت باحثون أن تركيب الجراثيم في الأمعاء قد يؤثر على الطريقة التي يستجيب بها الدماغ للضغوط.
وأشارت نتائج دراسات سابقة إلى أن تناول سلالات معينة من البكتيريا النافعة قد يحد من الإرهاق النفسي ويحسن الأداء المعرفي لمن يعانون من الضغط النفسي.
وفي أحد المعارض بباريس، عرض الفنان البلجيكي توماس ليروي تمثالا برونزيا لشخص رأسه هائلة الحجم إلى حد أنها سقطت أرضا تحت وطأة الضغوط النفسية. وأطلق عليه "الدماغ لم يعد يكفي للبقاء على قيد الحياة".
لكن الرأس البشري مع الأسف لا يتوسع ويتمدد ليستوعب الضغوط النفسية الحديثة، كما أن المجهود النفسي، على عكس المجهود البدني، ليس له علامات ظاهرية واضحة.
وربما حان الوقت لتسليط الأضواء على مشكلة الضغط النفسي طويل المدى في ظل التطورات المتلاحقة في العصر الرقمي، حيث حل العبء الذهني محل العبء البدني.
ومن بين فناني "الراب" الذين اشتهروا بأغانيهم دون بيغ ومسلم وشايفين ومجموعة فناير ولافوين من المغرب، ولطفي دوبل وتوكس وكريم الكونغ من الجزائر وقصي من السعودية وأحمد مكي من مصر والجنرال وبلطي من تونس وغيرهم بالمئات.
غير أن فن "الراب" العربي يواجه حربا من الجمهور "المحافظ" الذي شب على أغاني عمالقة الطرب العربي الأصيل، تغنوا بكلمات عربية هادفة ولحن مبدع أصيل. ويعتبر هذا الجمهور "الراب" ظاهرة دخيلة على الفن العربي وإسفافا في حق الأغنية العربية الأصيلة، يعمل رواد "الراب" على نشره بين الشباب العربي.
محمد رمضان ممثل قدير له رصيد فني كبير منذ عام 2005 شمل أداء أدوار ثانوية ورئيسية في 22 فيلما و22 مسلسلا تلفزيونيا وإذاعيا و5 مسرحيات وتقديم 9 برامج تلفزيونية. ومنذ عام 2018 سطع نجمه في عالم أغنية "الراب" وأصبح له جمهور ومتابعون عبر وسائل التواصل الاجتماعي يضاهي به عمالقة الغناء العربي شرقا وغربا.
الفنان محمد رمضان أحيى حفلا مساء الجمعة 23 أغسطس/آب، بأحد منتجعات الساحل الشمالي واختار له شعار "أقوى حفل في الساحل". وبالفعل تميزت الأمسية بحضور جمهور غفير. وظهر الفنان المصري كعادته مرتديا العديد من الأزياء بدت غريبة أحيانا، بينها قميص أسود شفاف وطاقم "كاوبوي" إضافة الى معطف من الفرو وجاكيت أبيض اللون وآخر أسود جلدي. وأثار ظهوره بها تعليقات بالآلاف من رواد مواقع التواصل الاجتماعي بين من .
وإذا كانت هذه الأزياء، الغريبة نوعا ما بالنسبة للذوق العربي المحافظ، قد ميزت أداء فناني "الراب" منذ ظهور هذا الفن الغنائي عبر العالم العربي قبل حوالي عشر سنوات، فقد أضاف لها محمد رمضان طقوسا جديدة. وأمتع جمهوره بظهوره وهو يغني من على سطح رافعة على ارتفاع 20 مترا من المسرح قبل أن يحلق فوق الخشبة لعدة دقائق قبل أن يهبط فوقها وسط إعجاب جمهوره.
ويبدو أن أغاني "الراب" وايقاعاتها التي تستهوي الفئة العمرية الشابة في العالم العربي أصبحت اليوم الأوسع رواجا بفضل وسائل التواصل الاجتماعي. فقد نبت فن "الراب" في العالم العربي في بيئة شابة متعطشة للتعبير عن مظالمها السياسية ومعاناتها الاجتماعية مع الفقر والفساد والحرمان. فصدحت حناجر هذه الفئة بكلمات وإيقاعات أوصلت الرسالة. وأصبح شباب الراب اليوم نجوما على منصات التواصل الاجتماعي بل على الإذاعات والشاشات.

Friday, August 16, 2019

هل تقدم السينما المصرية "دروسا" في التحرش؟

انتبهتُ منذ سنوات إلى أن مفهوم كلمة "تحرش" ضبابي بالنسبة لي، حالي كحال كثيرات من الفتيات المصريات فنحن لم نتأسس منذ الصغر على مبدأ معرفة حقوقنا وما المسموح به، وما الأمور التي لا يجب قبولها وتلك التي يمكن أن يعاقب عليها القانون، لذا فعندما أفكر في كلمة "تحرش"، ولا أجد تعريفا محددا لها، لا أملك سوى استعادة خبراتي السيئة لتحدد المعنى.
وفي الوقت ذاته تقفز لذهني الهجمات التي طالت الفتيات في الفترة الأخيرة فلو تجرأنا وتطرقنا لموضوع التحرش علنا، نتهم بالمبالغة والحساسية الزائدة من الرجال، ومن المؤلم والمثير للغضب أن يكون ضمن مجموعة المهاجمين هذه نساء أيضا.
ولكني لن أتحدث هنا عن "التحرش" بالطريقة المتعارف عليها، بل عن نقطة واحدة تشغلني وتحديدا عن بعض المشاهد نراها في الأفلام السينمائية ويكررها الشباب في الحياة الواقعية.
أصبح من الطبيعي سماع "تلميحات تحرش" على نحو دائم، وأسميها تلميحات لأنها جمل قد تبدو عادية جدا، ليست تصريحات واضحة، ولكنها تتركنا في حالة حيرة، فهي انسيابية كالماء لا نستطيع الإمساك بها، وقد انبثق العديد من تلك العبارات "التحرشية" غير المُريحة من أفلام قديمة وجديدة شهيرة حتى أصبحنا نحن الفتيات "معتادات" على التعرض لمواقف مطابقة لما مرت به الممثلات في الأفلام وأصبح الاعتراض عليها أمرا مستهجنا.
فمثلا مقاطع من أغان ضمن أفلام شهيرة مثل (كل مرة بشوفك فيها ببقى نفسي أ .. أ)، تترافق مع غمزة من قبل المغني النجم في فيلم "سيد العاطفي"، وأغنية "أكتر حاجة بحبها فيكي هو دا، وأكتر حاجة شدتني ليكي هي دي"، مع تركيز النظر على مناطق من جسد المرأة كمؤخرتها وصدرها، من فيلم "كابتن هيما".
في صالات السينما، أذكر جملة "هوه دا" التي تكررت في أفلام "عمر وسلمى" والنظرات المحدقة بأجساد الفتيات والسماح بلمسهن، وكيف كان ينطلق جمهور المشاهدين بالضحك مع صرخة الأنثى الخائفة ويستمر الضحك وهم يشاهدونها تركض بعيدا.
لينتقل هذا المشهد حرفيا من صالة العرض إلى المدرسة، ففي مقطع فيديو انتشر على موقع فيسبوك يظهر مدرس في مدرسة ثانوية وهو يحرك يده بسرعة أثناء مرور طالبة من أمامه خلال الشرح وكأنه يحاول ضربها على مؤخرتها، تركض الفتاة مفزوعة ملتفتة خلفها لتتأكد أنها أفلتت من الصفعة، وسط ضحكات متوترة من الجميع.
ورغم أن الفيديو أثار سخط بعض الناس، لكنه حظي طبعا بضحكات آخرين مع إعادة مشاركة محمومة للفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي.
هذه المواقف والعبارات وغيرها من الجمل الواردة في الأفلام السينمائية، إلى جانب حركات لمس جسد المرأة عن عمد، والتلاعب اللفظي وإلإيحاءات الجنسية، كلها أمور لم تصدر عن أبطال الأفلام بشكل منفّر، بل جاءت ضمن سياق يستدعي ضحكا أو ما يسمى بالدارجة المصرية "إفيه" وباتت تستخدم من قبل غالبية الناس ليبدوا مرحين، وخاصة بين الشباب لتصبح هذه المواقف "اعتيادية جدا" و"روشنة شباب" متوقعة.
إنها ببساطة "لغة الجسد" التي يلعب عليها الممثلون في الأفلام ومن بعدهم الشباب - المقلدون الماهرون - والتي لن يفهمها سوى أهلها (Inside joke)، لكننا نقف شاعرات بالإنهزام أمام ضرباتها كساذجات، حتى مع نظراتنا المستهجنة لتصرفات هؤلاء الشباب، أو تعليق بسيط كـ "احترم نفسك" حتى لا نشتبك معهم في أرض ليست لنا وفي معركة خاسرة سلفا، نخرج منها بشعور من الانكسار والحسرة. فقد زود الممثلون وكتاب السيناريوهات الشباب بذخيرة من الإجابات تصلح لمختلف مواقف الاحتكاك بالنساء، فنسمع عبارات هجومية مثل "شوفي لابسة إيه الأول"، أو "حد جيه جنبك ولا إنتِ عايزة تتعاكسي"، أو "شوفي نفسك الأول دا منظر يتعاكس".
لم يكن صعبا على الشباب التفكير بمثل هذه الأجوبة للرد على صدنا لهم، ففي أحد أعمال النجم المعروف عادل إمام، يصرخ في مشهد سينمائي وهو يرد على امرأة كان يحاول التحرش بها مبررا تصرفاته: "هو أنتِ ست إنتِ .. إنتِ أصلا راجل) ليندمج التحرش بإهانة المرأة التي حاولت التصدي له.
لا أنتظر من السينما أن تربي أبناء البلد، فهي ليست مركزا تعليميا فالسينما هي وجهة نظر، لذا من المتوقع أن نرى فيها لمحات من حياتنا الواقعية، ولكن فن بعظمة السينما لا يمكننا تجاهل تأثيره على حياتنا اليومية، فأقف حائرة لا أعرف متى كانت البداية، هل السينما تعكس واقعا أصبح التحرش جزءا أصيلا منه كما أوضح الفيلم الرائع "678" (لنيلي كريم وبشرى من إنتاج عام 2010)، أم أن عقول كتاب ومخرجي السينما أصبحت تنشر في المجتمع أفكارا ومواقف مهينة للمرأة المصرية.
ما أعرفه أنه من المهم أن نتكلم ونعبر عن الأذى، فمن كان يتوقع أن تثار قضايا تحرش تذكر فيها الأسماء الكاملة وتطرح الحكايات والصور والفيديو، كما في حادثة لاعب المنتخب المصري لكرة القدم "عمرو وردة"، وواقعة الفتاة في حي التجمع التي صورت على الموبايل شابا قالت إنه كان يتحرش بها وغيرها كثير، هذا التطور، بغض النظر الآن عما أودت له عمليات الفضح تلك، هو نتيجة تحدثنا بصوت عالي عما نكره، عما يجب ألا نعتبره من "المسلمات والمعتاد" خاصة عندما تكون المهانة والمستهدفة هي المرأة.

Friday, August 9, 2019

أوراق الأديب العالمي فرانز كافكا تناثرت في أوروبا ثم جُمعت في إسرائيل

تكللت رحلة بحث، استمرت 11 عاما، عن أوراق الكاتب التشيكي اليهودي الراحل "فرانز كافكا" بالنجاح، وذلك بعد وصول آخر دفعة منها إلى إسرائيل مؤخرا.
وكشفت المكتبة الوطنية الإسرائيلية عن الوثائق، بعد سنوات من البحث الدولي والنزاعات القانونية.
وكانت هذه المجموعة الأخيرة من الأوراق من بين ما جمعه صديقه المقرب "ماكس برود"، الذي توفى في عام 1968، وهو الصديق الذي كان كافكا يثق فيه، وكلفه بحرق كتاباته بعد وفاته في عشرينيات القرن الماضي.
لكن برود رفض تنفيذ تلك الوصية، وبدلا من حرقها، قام بنشر هذه الكتابات لاحقا.
ثم ترك برود تلك الأوراق لمكتبة إسرائيل الوطنية، حسب وصيته.
وبعد وفاته في عام 1968، كانت هذه المجموعة من الأوراق قد اختفت، مما أدى في النهاية إلى عملية بحث موسعة، قادت المحققين إلى ألمانيا وسويسرا، وخزائن بنوك في إسرائيل.
وقالت المتحدثة باسم المكتبة الوطنية في إسرائيل، فيرد ليون يروشالمي، إن قصة اختفاء الأوراق تشبه روايات كافكا.
وأرسلت الدفعة الأخيرة من الأوراق للتو إلى إسرائيل، بعد أن أمضت عقودا في خزائن بنك "يو بي إس"، في مدينة زيورخ السويسرية.
وتتضمن الأوراق دفترا كتب فيه كافكا باللغة العبرية، وثلاث مسودات مختلفة من روايته "تحضيرات عرس في الريف"، ومئات من الرسائل الشخصية والرسومات والمجلات.
وأعلنت المكتبة الإسرائيلية عن أن أوراق كافكا ستنشر الآن على شبكة الإنترنت.
روائع كانت عرضة للحريق
ويعرف فرانز كافكا بأنه أحد أعظم كتاب القرن العشرين، وتعتبر أعماله - ومن بينها روايات: المحاكمة، المسخ، والقلعة - روائع أدبية.
لكن لولا صديقه المقرب ماكس برود، فمن شبه المؤكد أن كافكا ربما لم يصبح معروفا كما هو الآن .
وكان كافكا يعالج من مرض السل، في مصحة في النمسا، عندما حث برود على تدمير كل خطاباته وكتاباته، لكن الأخير رفض، وبعد وفاة كافكا في عام 1924 احتفظ برود بالأوراق.
وبعد نحو 15 عاما، أُجبر برود، وهو أيضا كاتب يهودي تشيكي، على الفرار من تشيكوسلوفاكيا، التي احتلها النازيون حينذاك، إلى تل أبيب في إسرائيل.
وحمل برود أوراق كافكا معه في حقيبة، ثم قام بعد ذلك بنشر الكثير منها، ما ساعد على ترسيخ مكانة صديقه في التاريخ بعد وفاته.
وعقب وفاة برود بعد 29 عاما من وصوله إلى إسرائيل، بدأت رحلة شاقة وصفتها ليون يروشالمي بأنها قصة تشبه أدب كافكا، بغرض حفظ أوراقه.
ترك برود عملية حفظ هذه الوثائق بالكامل لسكرتيرته إستير هوفي، وطلب منها التأكد من وصول تلك الوثائق إلى المكتبة الوطنية في إسرائيل.
لكن هوفي احتفظت بالأوراق، حتى وفاتها في عام 2007، إذ قامت بتخزين بعضها في شقتها السكنية في تل أبيب، والبعض الآخر في خزائن بنوك في إسرائيل وسويسرا.
وفي عام 1988، باعت هوفي مخطوطة يدوية لرواية المحاكمة، مقابل مليوني دولار.
وعقب وفاة السيدة هوفي، ناشدت المكتبة الوطنية احترام رغبات برود الأخيرة، ومنح المخطوطات المتبقية للمكتبة.
لكن طلب المكتبة قوبل بالرفض، ومن ثم بدأت المكتبة في اتخاذ إجراءات قانونية في العام التالي.
وفي النهاية، انحازت المحكمة العليا الإسرائيلية إلى المكتبة، وأمرت بتسليم الأوراق إليها.
وحينذاك بدأت عملية البحث.
بعد صدور حكم المحكمة العليا، تم فتح خزائن أحد البنوك في إسرائيل، والتي تضمنت بعض الأوراق، وسمح للمحققين بالبحث عن المزيد في منزل السيدة هوفي في تل أبيب.
وعندما قام محققون بتفتيش الشقة، وجدوا أن الأوراق جرى العبث بها من جانب القطط، بينما تم حفظ بعضها في ثلاجة مهملة.
وقال ستيفان ليت، منسق العلوم الإنسانية بالمكتبة الوطنية الإسرائيلية، لصحيفة تليغراف البريطانية في وقت سابق من العام الجاري إن القطط تسببت في "أضرار" للوثائق الأدبية، وأضاف: "تم خدش بعضها من قبل القطط، وأصبح بعضها مبللا ببول القطط".
وفي عام 2013 ، ظهرت مجموعة أخرى من أوراق كافكا، عندما اقترب إسرائيليان من "الأرشيف الأدبي الألماني"، في مدينة مارباخ الصغيرة ، وقالا إنهما لديهما بعض وثائق برود غير المنشورة.
وحددت الشرطة الألمانية مكان الأوراق وتحفظت عليها، وبعد صدور حكم قضائي في يناير/ كانون الثاني، أعيدت الأوراق إلى إسرائيل.
أما المجموعة الأخيرة من الأوراق، فقد ظهرت بعد صدور حكم قضائي في سويسرا في مايو/ أيار الماضي.
وفي حديث بعد عودة الأوراق إلى المكتبة، قال السيد ليت لوكالة الأنباء الفرنسية إنه ممتن لبنك "يو بي إس" وتعاونه الذي "أثلج صدورنا".
وأضاف: "لولا ماكس برود، ما كنا عرفنا حقا من هو كافكا".